الرد على شبهة قتل الأسرى
(ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)
يقول أصحاب الشبهة :-
ان الاسلام يدعو قتل الأسرى بدليل عتاب القرآن للمسلمين والنبي لعدم قتل الأسرى في غزوة بدر ويستدلون بالآية 67 من سورة الأنفال وبعض الروايات الأخرى
قال الله تعالى :- (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)) (سورة الأنفال)
انتهى
الرد على الشبهة :-
فسر بعض المفسرين الآية 67 من سورة الأنفال بأنه كان أمر لقتل الأسرى المسلمين في يوم البدر أي أنهم يفسرون الآية على ما يجب على المسلمين القيام به فيما (بعد انتهاء المعركة) حيث يقولون أنها نزلت فى أسرى بدر ، حيث ينبه الله عز وجل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأنه كان يجب أن يقتلهم بدلا من أخذه فداء ، ثم يقولون أن هذا الأمر تغير بعد ذلك بما ورد فى سورة محمد الآية 4) وهو اما المن أو الفداء للأسرى ، مستندين على ذلك ببعض الروايات ، ولكن كان هناك تفسير آخر للآية
لكن لم يكن هذا هو المقصود بل كان المقصود هو الأحداث في ((ساحة المعركة)) وليس (ما بعد ساحة المعركة) ، لقد كانت الآية تحذير للمسلمين من مغبة رغبتهم في وجود أسرى وتأثير ذلك على طريقتهم في القتال ((أثناء سير المعركة)) ، فبدلا من محاولة حماية نفسه بقتل عدوه الذي يتحين الفرصة لقتله ، بل يحاول اصابته اصابة خفيفة ظنا منهم أن الاصابة سوف تشل حركته و تقضى على خطورته ، حتى يوقعه في الأسر بالرغم من أنهم في (بداية المعركة) ولم يثخن في الأرض يعني لم يظهر اتجاه سير المعركة أنها لصالحه ، وهذا خطأ كبير جدا ، لأنه قد يبدو أن العدو لا يستطيع الحركة ولكنه يخدع المسلم ثم يقتله على غفلة ، وهذا أمر تكرر على مدار التاريخ فى أى أمة و أى حرب
وكان المسلمون يريدون اصابة العدو ، رغبة في غنيمة (أسير) يستفيد منها بعد ذلك في (الفداء) ، وهذا هو الخطأ الذى وقع فيه المسلمون في غزوة أحد وكان سببا في قتل عدد كبير منهم ، وهو رغبتهم في الغنائم (التي سبق وأن سرقها منهم كفار قريش) مما أثر على قدرتهم القتالية
فعاتبهم الله عز وجل على هذا لأن هذا سوف يعرضهم لخطر مقتلهم والهزيمة وذلك لأنهم أقل عددا وقوة ، فعليهم أن يقاتلوا فى ساحة المعركة بدون غرض أن يأخذوا أسرى لأن هذا الغرض قد يمكن الطرف الآخر من قتل المسلم ، ففى ساحة المعركة أما أن تقتل عدوك أو يقتلك ، فلا سبيل أمامك إلا القتال
فكان يجب على المسلمين أن يقاتلوا في المعركة دفاعا عن أنفسهم حتى إذا ظهر اتجاه المعركة نحو النصر للمسلمين وأنهم أصبحوا الأكثر عددا وقوة في المعركة ، فعندها يمكن لهم أن يصيبوا الأعداء لأسرهم
والدليل على ذلك في النقاط التالية :-
1- تفسير ابن كثير للآية (4) من سورة محمد يوضح أن المقصود من (يثخن في الأرض) هو ما يفعله المسلمين في ساحة المعركة وليس ما بعد المعركة
قال الله تعالى :- (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)) (سورة محمد)
في تفسير ابن كثير يوضح أن الآية (4) من سورة محمد كانت لإرشاد المسلمين بما يفعلونه في ساحة المعركة وأن الله عز وجل عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسرى ليأخذوا منهم فداء ثم ذكر الآية (67) من سورة الأنفال ، وهذا دليل أن هذه الآية تتكلم عن عن ساحة المعركة وليس ما بعد ساحة المعركة
فنقرأ من تفسيره :-
يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) أي : إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف ، ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا ) أي : أهلكتموهم قتلا ) فشدوا ) [ وثاق ] الأسارى الذين تأسرونهم ، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا ، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه . والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر ، فإن الله ، سبحانه ، عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء ، والتقلل من القتل يومئذ فقال : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [ الأنفال : 67 ، 68 ]
انتهى
يقول سبحانه (فإذا لقيتم الذين كفروا) يعني اذا تقابلتهم معهم فى ساحة المعركة (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) ، والطبيعى أن الكافر يريد قتل المسلم ، لذلك من حق المسلم الدفاع عن نفسه وقتل الكافر ، ثم يقول لهم إذا (حتى إذا أثخنتموهم ) يعني أصبح الرسول والمسلمين ثاخنيين في الأرض أي لهم الكلمة العليا في ساحة المعركة ولا سبيل لانقلاب الأمر وكان هذا هو المقصود من الآية 67 من سورة الأنافال (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) فحينها يمكنهم اتخاذ الأسرى وذلك بأن يشدوا وثاق الأسرى منهم ، وهذا طبيعى حتى لا يهربوا ، وهذا الوضع حتى تنتهى المعركة تماما ، و يخير الله سبحانه وتعالى المسلمين فى أمر هؤلاء الأسرى ويعطيهم خيارين هما (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء) ، يعنى اما أن يمنوا عليهم وهذا يعنى أن يطلقوا سراحهم أو فداء يعنى أن يقبلوا منهم الفدية أى المال الذى به يطلقون سراحهم أيضا
قطع الرقاب يكون أثناء المعركة ، رجل لرجل وسيف أمام سيف ، أما الأسير الذى بدون سيف ، فإما منا أو فداء، هذا هو حكم الله عز وجل الواضح وضوح الشمس
قطع الرقاب يكون أيضا للقاتل المفسد في الأرض المحكوم عليه ، وليس لمن كان يعمل فى آمان الله ثم يتم اختطافه
فالآية 67 من سورة الأنفال ليست دعوة لقتل الأسرى و إنما هي من أجل أن يحافظ المسلمين على أنفسهم في ساحة المعركة ضد من يريد قتلهم ، فففى ساحة المعركة أما أن تقتل عدوك أو يقتلك هو ، خاصة أن المسلمين في هذه المعركة كانوا أقل عددا وقوة ، و حتى يحق لهم التفكير بأن يكون لديهم أسرى وبالتالي يحاولوا أثناء المعركة أن يحاربوا فيصيبوا عدوهم فقط بدون قتله ، فهم بحاجة بأن يكونوا أكثر قوة من عدوهم وعندها في ساحة المعركة سوف يكونوا مطمئنين
فيعلم الله عز وجل المسلمين كيفية الدفاع عن أنفسهم وألا يعرضوا حياتهم للخطر من أجل عرض دنيوي ، وهذا ليس خطأ ، فإذا رأى الإنسان ثعبان سام يحاول الانقضاض عليك ، فالإنسان الطبيعي سوف يعمل على قتله وليس فقط إصابته
والدليل على ما أقوله هو الآية (70) من سورة الأنفال
2- الآية (70) من سورة الأنفال ، توضح أنه في نفس توقيت نزول الآية (67) من نفس السورة كان الأسرى لا يزالون تحت يد المسلمين وهذا يعنى أن المقصود ما حدث فى ساحة المعركة وليس بعدها
يعني لو كان حكم الله عز وجل على الأسرى بالقتل فكان يجب على المسلمين أن يقتلوهم (لأنهم لا زالوا تحت أيديهم) ولكن بالعكس فإن الله عز وجل يأمر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أن يطمئن الأسرى الذين في أيدي المسلمين بأن الله عز وجل إن وجد فيهم خير فسوف يعوضهم عما فقدوه في ساحة المعركة أو في الفداء الذي تم لاطلاق سراحهم ، يعني لم يأمره الله بقتل الأسرى ولا باستعبادهم ، وإنما طمأنت الذين في قلوبهم الخير
وهذا دليل على أن الآية (67) من سورة الأنفال لم تكن توجه المسلمين لما يجب أن يفعلوه بعد انتهاء المعركة بل كانت توجههم بما يجب أن يفعلوه (في بداية المعركة)
قال الله تعالى :- (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) (سورة الأنفال)
الآية (70) واضحة أن الأسرى كانوا لا يزالون في يد الرسول والمسلمين ، و لم يكن أخذ منهم فداء و في نفس الوقت أن الله عز وجل يأمر الرسول بأن يعلمهم بأن منهم من في قلبه خير فسوف يؤته خير آخر ، يعني المراد هو طمأنتهم
فكيف يكون قد أخبره بأنه كان يجب قتل الأسرى ، و لا يفعل الرسول ذلك وهم لا يزالون فى يده ؟؟!!!!!
كان المقصود من الآية (67) هو تنبيه المسلمين بألا ينشغلوا بأن يكون لديهم أسرى وهم لا يزالون في بداية ساحة المعركة ولم يثخنوا أي لم ينتصروا بعد انتصار نهائي ، ثم بعد انتصارهم و وجود أسرى فيكون التعامل معهم اما منا بتركهم بدون مقابل أو فداء أي أخذ مقابل منهم ؟؟!!!!
و المقصود بما تم أخذه من الأسرى فى الآية (70) من سورة الأنفال هو ما غنمه المسلمين فى ساحة المعركة (خيل ودروع وسلاح) و ليس الفداء لأنهم لا يزالون فى أيدى المسلمين
لو كانت الآيات دعوة للقتل وليس دفاع عن النفس ، فلماذا يأمره بأن يطمئن الأسرى و أن الله عز وجل سوف يغفر و يعوض من به خير ، فهو لم يأمره بقتلهم بالرغم من أنهم لا يزالون فى أيدى المسلمين
3- أوضح لنا الله عز وجل في القرآن الكريم كيف تعامل المسلمين مع أسراهم فكان بالرحمة وليس بالقتل
قال الله تعالى :- (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9)) (سورة الإنسان)
هذا هو ما كان يفعله المسلمون مع أسراهم فكانوا يفضلونهم على أنفسهم في الطعام وكل ذلك لوجه الله عز وجل ، أما إذا كان حدث وقتل المسلمين أحد المشركين بدون قتال فهذا يكون نتيجة لقيام المشرك بارتكاب جريمة يلزم عقابه عليها ، تماما مثلما يفعل أي نظام حاكم في أي دولة محترمة ، عندما تظهر عناصر اجرامية تعيث في الأرض فساد في المجتمع فيقوم النظام الحاكم بمحاربتهم واعدامهم للجرم الذي ارتكبوه في حق المجمتع والناس
ولا أعرف لماذا تتقبلون ما تفعله الأنظمة الحاكمة من معاقبة المجرمين ولا تتقبلون قيام المسلمين بمعاقبة مجرمين أجرموا في حق البشر فقتلوا وسرقوا ونقضوا العهد
4- الارهاب في الاسلام يعني إعداد القوة اللازمة أمام العدو لاخافته فلا يفكر في مهاجمة المسلمين ولم يكن المقصود إفساد الأرض ولا قتل الأبرياء حتى وان كانوا من أمم أخرى
قال الله تعالى :- (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60) وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)) (سورة الأنفال)
الارهاب يكون بإعداد القوة التى تخيف منك العدو فيعمل لك ألف حساب قبل أن يفكر أن يحاربك
وليس الإرهاب أن تخطف الناس الآمنيين وتقطع رقابهم
إرهاب العدو الذى ورد فى القرآن الكريم هو ما فعله الغرب ، بصناعتهم أسلحة تخيف أى أحد أن يفكر فى الهجوم عليهم، وهذا هو ندم الأوكرانيين الآن على الأسلحة النووية التى تخلوا عنها ، فقد أدركوا أن وجودها كان سوف يحميهم من هجوم الروس عليهم
(هذا هو إعداد القوة لإرهاب العدو) حتى تدفع الضرر عن نفسك وعن أهلك
تعليقات
إرسال تعليق